السودان: الانهيار الاقتصادي يعيد المقايضة والدَّين للواجهة بعد عامين من الحرب
متابعات-مرآة السودان-السودان: الانهيار الاقتصادي يعيد المقايضة والدَّين للواجهة بعد عامين من الحرب

السودان: الانهيار الاقتصادي يعيد المقايضة والدَّين للواجهة بعد عامين من الحرب
متابعات-مرآة السودان
أدى التفاقم الحاد للأزمة الاقتصادية في السودان، إلى جانب النقص الشديد في السيولة النقدية والانهيار شبه التام للنظام المصرفي جراء عامين من الحرب، إلى دفع السكان نحو الاعتماد على المقايضة والدَّين كوسائل أساسية لتأمين احتياجاتهم اليومية.
وتكشف الشهادات من مناطق مثل الدلنج بولاية جنوب كردفان، المحاصرة من قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، عن واقع جديد؛ حيث يؤكد موظفون حكوميون أنهم لم يحملوا نقودًا ورقية منذ أشهر طويلة، وأصبحت مقايضة الأدوات المنزلية والملابس مقابل الغذاء والوقود هي الحل الوحيد.
عملات بديلة وخدمات يومية بالسلع
في ظل انعدام النقود وتوقف الاتصالات، تحولت بعض السلع إلى “عملات بديلة”:
• المقايضة السلعية: اضطر السكان إلى مبادلة ممتلكات شخصية مثل الفؤوس والكراسي مقابل سلع غذائية أساسية كالذرة الرفيعة.
• أجرة الخدمات: بدأ سائقو التوك توك والدراجات النارية بتقاضي الزيت والصابون بدلًا من النقود كأجرة، فيما تدفع العائلات الذرة والدقيق والسكر مقابل خدمات صيانة السيارات.
يعكس هذا التحول تراجعًا كبيرًا في الثقة بالنظام النقدي والمؤسسات المالية، ما جعل التداول المباشر للسلع هو العمود الفقري للحياة اليومية.
📉 انهيار النظام المالي وتضخم قياسي
تسببت الحرب، التي شهدت احتراق مبنى البنك المركزي (المرتبط بشبكة سويفت) وسيطرة قوات الدعم السريع عليه، وإغلاق ونهب البنوك الأخرى، في انهيار اقتصادي سريع:
• تدهور قيمة العملة: ارتفع سعر اليورو من 450 جنيهًا سودانيًا قبل الحرب إلى 3500 جنيه في السوق السوداء حاليًا.
• توقف التحول الرقمي: أوقفت الحرب التحول الاقتصادي الذي كان يشهده السودان، والذي كان يتجه نحو المعاملات الرقمية، خصوصًا عبر تطبيق “بنكك” التابع لبنك الخرطوم، رغم أن 15% فقط من السكان كانوا يملكون حسابات مصرفية.
شريان حياة “بنكك” والتحديات الجديدة
رغم الانهيار، لا يزال تطبيق “بنكك” يعمل كـ “شريان حياة” للمناطق التي تتوفر فيها شبكة الاتصالات، حيث يسهّل تلقي الرواتب والمساعدات والتحويلات الخارجية. ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة:
• نظام الثقة والدَّين: في المناطق المعزولة أو التي فقدت فيها الاتصالات، يلجأ التجار إلى منح البضائع بالدَّين مسجلاً في دفاتر، معتمدين على الثقة لسداد العملاء “حين يعود بنكك للعمل”.
• ابتزاز التحويلات: في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، تم فرض عمولات تصل إلى 25% مقابل توفير السيولة النقدية مقابل التحويلات الرقمية.
• الاتصالات البديلة: انتشرت أجهزة “ستارلينك” المهربة المؤجرة بالساعات لتعويض انهيار الشبكات المحلية، قبل أن يصدر الجيش قرارًا بحظر بيعها واستخدامها في ديسمبر 2024.
• قيود الخدمات المصرفية: لا يملك الكثيرون، خاصة في المناطق الريفية، المتطلبات الأساسية للمعاملات الإلكترونية (حساب بنكي، جواز سفر، هاتف)، ما يضطرهم للاعتماد على الأقارب لاستلام التحويلات.
💔 الانقسام المالي والأزمة الإنسانية
أدت التطورات الأخيرة إلى انقسام مالي في البلاد، حيث بدأت السلطات الموالية للجيش في المناطق الخاضعة لسيطرتها بطباعة أوراق نقدية جديدة. هذا يعكس تشظي الدولة ومؤسساتها، حيث أصبح السودان مقسمًا فعليًا إلى:
1. مناطق تحت حكم الجيش (الشمال والشرق والوسط).
2. مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع (الغرب والجنوب).
يأتي هذا الانهيار الاقتصادي في ظل أسوأ أزمة جوع ونزوح في العالم، حيث خلّف الصراع عشرات الآلاف من القتلى وقرابة 12 مليون نازح. كما أن حيازة النقود الورقية في بعض المناطق باتت تعرض صاحبها للخطر، ما يعزز الاعتماد على المقايضة والمعاملات غير النقدية.











