مقالات

د.حسين العالم يكتب الهوية بين الانقسام والوحدة  هل الحقوق والقيم المشتركة هي الحل  

متابعات-مرآة السودان -الهوية بين الانقسام والوحدة  هل الحقوق والقيم المشتركة هي الحل  

الهوية بين الانقسام والوحدة  هل الحقوق والقيم المشتركة هي الحل

 

ماذا تعني الهوية؟ سؤال يبدو بسيطًا، لكنه يحمل في طياته تعقيدات جمة. الهوية هي الإجابة عن سؤال “من أنا؟”، وهي مفهوم معقد يشير إلى مجموعة السمات والمعتقدات والقيم والتجارب التي تُعرِّف الفرد أو الجماعة وتُميزهم عن غيرهم. إنها مزيج فريد من العناصر اللغوية والفلسفية والاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والقانونية التي تشكل شخصيتنا وتحدد انتماءاتنا.

 

تعريفات الهوية: نظرة من زوايا متعددة

 

– التعريف اللغوي: الهوية مشتقة من كلمة “هو”، أي الذات أو الشخص نفسه، وتدل على حقيقة الشيء وماهيته التي تميزه عن غيره.

– التعريف الفلسفي: الهوية هي الجوهر الثابت في الإنسان أو الشيء الذي يجعله هو هو، رغم ما يطرأ عليه من تغيرات. إنها علاقة الكائن بنفسه، واستمراره بوصفه كيانًا واحدًا عبر الزمن.

– التعريف الاجتماعي: الهوية هي إحساس الفرد أو الجماعة بالانتماء إلى مجموعة بشرية محددة (مثل قوم أو وطن أو ثقافة)، وما يرتبط بذلك من عادات وقيم وتصورات مشتركة. إنها تعبير عن “من نحن” في إطار المجتمع.

– التعريف الثقافي: الهوية الثقافية هي مجموعة السمات والخصائص الثقافية التي تميز جماعة بشرية عن غيرها، وتشمل اللغة والدين والتراث والقيم والعادات. إنها “البصمة الحضارية” للأمة أو المجتمع.

– التعريف الديني: الهوية الدينية هي انتماء الفرد أو الجماعة إلى عقيدة أو منظومة إيمانية محددة تشكل رؤيته للعالم، وتوجه سلوكه الأخلاقي والاجتماعي.

– التعريف السياسي: الهوية السياسية هي الانتماء إلى كيان أو جماعة سياسية معينة، مثل الأمة أو الحزب أو الدولة، وتعبر عن الولاء والانتماء للمشروع الوطني أو السياسي المشترك.

– التعريف القانوني: في المجال القانوني، الهوية هي ما يثبت شخصية الفرد قانونيًا من خلال الوثائق الرسمية كالاسم والجنسية والعمر، وتُستخدم لتحديد المسؤولية والحقوق.

 

تضارب الهويات: هل الوحدة ممكنة؟

 

عندما ننظر إلى هذه التعريفات، نجد أن كل تعريف ينظر إلى الهوية من جانب واحد، مما يؤدي إلى التضارب بين الهويات وإلى الانقسام أكثر من الوحدة. ففي الوطن الواحد، نجد مسلمين وغير مسلمين، عرب وأفارقة، بيض وسود، وغيرها من الانقسامات التي تجعل من الصعب تحقيق الاندماج والتوافق.

 

الحقوق والقيم المشتركة: طريق الوحدة

 

إذًا، ما الذي يمكن أن يجمع الناس على مستوى العالم؟ الجواب هو الحقوق والقيم المشتركة. هناك حقوق متأصلة في جميع البشر، بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو وطنهم أو دينهم. هذه الحقوق تشمل الحق في الحياة والحرية الشخصية والسلامة الجسدية والتحرر من العبودية والتعذيب والتحرر من التمييز وحرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

يجب تعزيز هذه الحقوق بمجموعة من القيم والمبادئ الأساسية مثل الكرامة والمساواة والعدل وعدم التمييز وسيادة القانون والديمقراطية والتضامن. هذه المبادئ تضمن احترام جميع الأفراد على قدم المساواة، بغض النظر عن أي اختلافات، وتضع أسسًا للعلاقات الاجتماعية والسياسية العادلة.

 

كيف نعزز حقوق الإنسان؟

 

– التوعية والتعليم: زيادة الوعي بالحقوق والحريات الأساسية لتعزيز فهمها واحترامها.

– المواطنة الفاعلة: تشجيع المشاركة المدنية الفعالة في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع.

 

عندما تُطبَّق هذه القيم وتُعطَى للإنسان حقوقه، يتحقق الاستقرار والأمان، كما هو الحال في العديد من المجتمعات الأوروبية.

 

القرآن الكريم: رؤية متكاملة للوجود

 

يقدم القرآن الكريم رؤية متكاملة للوجود تحدد مكانة الإنسان وعلاقاته على ثلاثة مستويات رئيسية:

 

1. علاقة الإنسان بأخيه الإنسان (العلاقة الأفقية): تقوم على الكرامة والعدل والإحسان، متجاوزةً كل الفوارق الاصطناعية. يؤكد القرآن على وحدة الأصل البشري وكرامته المتساوية، ويدعو إلى التعارف والتعاون على الخير.

2. علاقة الإنسان بالكون (العلاقة العمودية-الأفقية): ينظر القرآن إلى الكون ليس ككتلة صماء، بل كمخلوق مسخر للإنسان، يعبد خالقه وينطق بآياته. يدعو القرآن إلى التفكر والتدبر في الكون، وإلى عدم الإفساد والإسراف فيه.

3. علاقة الإنسان مع نفسه (العلاقة الداخلية): يوجه القرآن الإنسان لفهم ذاته وإصلاحها، مدركًا تكريمها ومسؤوليتها. يدعو القرآن إلى التزكية والمسؤولية، وإلى التوازن بين الروح والجسد.

 

مع أن القرآن الكريم يحدد هذه العلاقات، فإنه يترك للإنسان حرية الاختيار، كما قال تعالى: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.

 

الخلاصة: نحو هوية عالمية قائمة على الإنسانية

 

في الختام، يمكن القول أن الهوية مفهوم معقد ومتعدد الأوجه، وأن التضارب بين الهويات يمكن أن يؤدي إلى الانقسام والصراع. لكن، من خلال التركيز على الحقوق والقيم المشتركة، يمكننا بناء هوية عالمية قائمة على الإنسانية، تحتضن التنوع والاختلاف، وتضمن الكرامة والعدل والمساواة للجميع.

 

الهوية، الحقوق، القيم، الوحدة، الانقسام، القرآن الكريم، الكرامة، المساواة، العدل، المجتمع، الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى