مقالات

إدانة “الصورة” ومصير “الأصل”: المحكمة الجنائية الدولية وحزب المؤتمر الوطني

متابعات-مرآة السودان-إدانة "الصورة" ومصير "الأصل": المحكمة الجنائية الدولية وحزب المؤتمر الوطني

إدانة “الصورة” ومصير “الأصل”: المحكمة الجنائية الدولية وحزب المؤتمر الوطني

متابعات-مرآة السودان

تُعد إدانة علي محمد علي عبد الرحمن (كوشيب)، أحد قادة مليشيا الجنجويد السابقين، من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، محطة فارقة في مسار العدالة الدولية، وتثير تساؤلات حتمية حول مسؤولية “الأصل” الذي كان يحرك “الصورة”. فـ”كوشيب”، الذي كان قائدًا ميدانيًا بلا منصب سيادي، هو في نظر الكثيرين مجرد ذراع تنفيذية لسلطة أعلى، هي نظام حزب المؤتمر الوطني المحلول الذي حكم السودان. هذه الإدانة تضع الحزب الذي حُلّ بأمر قضائي بالفعل، في مواجهة مباشرة مع تبعات جرائمه، وتُلقي بظلال كثيفة على مستقبله ومستقبل قياداته المطلوبة للعدالة الدولية.

دلالات إدانة كوشيب وأثرها على المسؤولية الأكبر

لطالما سادت قناعة بأن “كوشيب” ورفاقه كانوا مجرد أدوات تعمل بإشراف ودعم كامل من سلطة الخرطوم في ذلك الوقت. إدانته، وإن كانت فردية، تُعزز السردية القائلة بأن الجرائم المرتكبة في دارفور لم تكن أعمالًا فردية معزولة، بل نتاج سياسة ممنهجة تبنتها الحكومة التي كان يقودها حزب المؤتمر الوطني.

• تأكيد المسؤولية الهرمية: المحكمة أدانت “كوشيب” بصفته مسؤولاً جنائياً فردياً عن أعماله، إلا أن مساره المهني وعلاقته بالقوات النظامية والاحتياطية (قوات الدفاع الشعبي والشرطة المركزية) تربطه بشكل وثيق بالنظام السابق. هذا الحكم يمثل إثباتاً قضائياً دولياً على وجود جرائم دولية في دارفور، ويُمهد الطريق نظرياً لتعزيز ملاحقة من هم في مستويات السلطة الأعلى، بمن فيهم الرئيس المخلوع عمر البشير ووزير الداخلية السابق أحمد هارون، المطلوبان أيضاً للمحكمة الجنائية الدولية بجرائم مماثلة وأشد.

• فتح الباب للتعاون: إدانة أحد المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية يزيد الضغط على الحكومات السودانية المتعاقبة للتعاون بشكل كامل وفعال مع المحكمة، بما في ذلك تسليم بقية المتهمين البارزين، وهو ما يُعتبر اختباراً حقيقياً لالتزام السودان بالعدالة الانتقالية.

ما مصير حزب المؤتمر الوطني بعد هذه الإدانة؟

إن التساؤل عن مصير حزب المؤتمر الوطني (المحلول) بعد هذه الإدانة يرتبط بثلاثة أبعاد رئيسية: البعد القانوني/الوجودي، والبعد السياسي/الواقعي، و بعد القيادات.

1. البعد القانوني والوجودي

حزب المؤتمر الوطني محلول بالفعل بموجب قرار من لجنة إزالة التمكين، وقد تمت مصادرة أصوله وممتلكاته. هذا يعني أن وجوده القانوني كحزب سياسي انتهى. إدانة “كوشيب” لا تغير الوضع القانوني للحزب مباشرة، لكنها:

• تُرسخ شرعية الحل: توفر الإدانة الدولية دليلاً قاطعاً يرسخ الرؤية القائلة بأن هذا الحزب كان منظومة ضالعة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مما يزيد من صعوبة عودته تحت أي اسم مستقبلاً.

• تصعّب “إعادة التدوير”: يسعى بعض قيادات الحزب إلى “إعادة تدوير” أنفسهم أو الظهور تحت مسميات حزبية جديدة. إدانة “كوشيب”، وهي جزء من سياسات النظام السابق، تجعل من الصعب على أي كيان مرتبط به استعادة الشرعية السياسية أو الدخول في عملية سياسية شفافة ونزيهة.

2. البعد السياسي والواقعي

على الرغم من الحل القانوني، لا يزال للحزب وجود فعلي عبر أعضائه المتغلغلين في مؤسسات الدولة (المدنية والعسكرية) وعلاقاته وشبكاته الاقتصادية الواسعة. مستقبل الحزب يعتمد على:

• الخارطة السياسية السودانية: في ظل حالة الصراع والاضطراب السياسي الحالية في السودان، يظل تأثير المؤتمر الوطني كامناً ومتحفزاً. قد يحاول بقايا الحزب استغلال الفراغ أو الأزمات للدفع بأجندته أو بأفراد منه إلى الواجهة.

• تأثير العزلة الدولية: الإدانة تزيد من العزلة الدولية لأي شخصية أو كيان يسعى للتحالف أو التعاون مع قيادات أو فروع المؤتمر الوطني، مما يحدّ من قدرته على الحركة السياسية الخارجية.

3. مصير القيادات

التركيز الأكبر ينصب على مصير قيادات الصف الأول الذين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر قبض بحقهم، وعلى رأسهم

عمر البشير

إبادة جماعية، جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية

القائد الأعلى للنظام الذي دعمت قواته كوشيب.

أحمد هارون

جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية

كان وزير دولة بالداخلية، صدرت بحقه مذكرة توقيف بالتزامن مع كوشيب.

إدانة “كوشيب” هي خطوة تكتيكية تُمهد لملاحقة “العقل المدبر”. إذا كان “كوشيب” قد أُدين بالمسؤولية عن عمليات القتل والاغتصاب والنهب، فإن القيادات العليا في المؤتمر الوطني تواجه اتهامات أوسع وأخطر، بما في ذلك الإبادة الجماعية. هذا الحكم يجدد المطالبات بضرورة تسليمهم للمحكمة، مما يُعد الضربة القاصمة التي قد تنهي فعلياً أي آمال متبقية للحزب في استعادة نفوذه العلني.

في النهاية، إدانة “كوشيب” ليست نهاية القصة، بل هي بداية فصل جديد في مسلسل العدالة، فصل يُصرّ على ربط خيوط المسؤولية من الجندي على الأرض إلى القائد في القمة، في مواجهةٍ حتمية لمصير كيان كامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى