مقالات

مثقفون يحذرون من شيطنة التاريخ و تمجيده: دعوة لقراءة متوازنة لمسار السودان

متابعات-مرآة السودان-مثقفون يحذرون من شيطنة التاريخ و تمجيده: دعوة لقراءة متوازنة لمسار السودان

مثقفون يحذرون من “شيطنة” التاريخ و تمجيده: دعوة لقراءة متوازنة لمسار السودان

 عوض الكريم فضل المولى -متابعات-مرآة السودان-الراكوبة – 9 سبتمبر.

ساكتين ليه (3)
في هذه المساحة أخاطب المؤدلج والمثقف المنبّت… بعد جدلٍ ونقاشٍ عميق حول موضوعي الرحط (1) والتنورية والشُمارة (2) تحت عنوان ساكتين ليه.

أيها المثقفون… كيف نقرأ تاريخنا؟
لم نقل لشعبنا إن التاريخ ليس قيداً على أعناق الشعوب، ولا سيفاً مسلطاً على رقابها، بل هو مرآة تعكس حقيقتنا كما هي: ما كنا عليه وما تعايشنا معه، بإنجازاته وإخفاقاته، بما علمنا بضيائه وما جهلنا بظلاله. لكننا ـ نحن السودانيين ـ كثيراً ما نقع في فخ الانتقائية: نستحسن جزءاً من تاريخنا ونستقبح آخر، نرفع بعض صفحاته إلى مقام القداسة ونرمي أخرى في هاوية الشيطنة.

أيها المثقف السوداني… أليس الأجدر بنا أن نقرأ تاريخنا بعين الباحث، لا بعين المتأفف والمستلب والقاضي؟ أن نراه كمسار بشري مليء بالقيم والعِبر، لا كمحكمة نصدر فيها الأحكام جزافاً؟
إن الأمم لا تنهض حين تخجل من ماضيها وتنسلخ منه، ولا حين تُغرقه في التمجيد الأعمى، أو في الأسلمة والتكفير.

وما يثير الاستغراب أنّ كثيراً من السودانيين يحاولون الفخر بالنسب العربي مثلاً، ويغضون الطرف عن غنائهم وشعرهم وفخرهم بالمرأة، ووصفها من رأسها إلى أخمص قدميها، وملكهم للجواري والعبيد، وقتلهم للبنات. كما نستعر من ثقافاتنا وعاداتنا وتقاليدنا.

النهضة الحقيقية تبدأ من الاعتراف: أن تاريخنا مزيج من الانتصار والانكسار، من الصفحات المضيئة والظلال المعتمة، من القوة والضعف المعرفي في مراحل مختلفة، ومن الحلم والنظرة التحفيزية. كل صفحة فيه تحمل درساً، وكل تجربة فيه تمنحنا بوصلة للمستقبل.

إن شيطنة التاريخ تجعلنا أسرى الإحباط، وأسلمته ـ أي تحويله إلى صورة نقية خالية من العيوب ـ تحرمنا من النقد والتجديد. وكما نتسابق اليوم إلى ادعاء النسب النبوي القرشي (الأشراف)، فإننا نغفل عن أن الاعتراف بتعددنا وخصوصيتنا الثقافية أَولى وأجدى.

وحدها القراءة الواعية المتوازنة قادرة على تحويل الماضي إلى قوة دافعة، وإلى مخزون من القيم التي تبني وعياً جديداً يليق بسودان الغد.

فلتكن دعوتنا اليوم: أن نقرأ التاريخ بوصفه “رصيداً” لا “قيداً”، وبوصفه “زاداً” لا “عبئاً”. لنستخلص منه ما يعزز إنسانيتنا، ويقوي وحدتنا، ويضيء دروب الحرية والسلام والعدالة.

أيها المثقفون… إن التاريخ لا ينتظر من يلعنه أو من يمجده، بل من يحوّله إلى مشروع معرفة وقوة بناء. فلنكن نحن أولئك الذين يجعلون منه جسراً نحو سودان جديد، لا جداراً يحجب عنا المستقبل ويضعنا في عزلة مع ذواتنا وشيطنة ماضينا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى