الاكتئاب – بين العلم وذكره في القرآن الكريم
متابعات-مرآة السودان-الاكتئاب – بين العلم وذكره في القرآن الكريم

: الاكتئاب – بين العلم وذكره في القرآن الكريم
متابعات-مرآة السودان-الاكتئاب ليس مجرد حزن عابر أو تقلب مزاجي، بل هو اضطراب نفسي يؤثر على التفكير، والسلوك، والمشاعر، وقد يصل إلى حد التأثير على الحياة اليومية والعمل والعلاقات. ومع ازدياد الضغوط الحياتية في العصر الحديث، أصبح الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعًا عالميًا، ولا يستثني عمرًا أو جنسًا.
ما هو الاكتئاب؟
الاكتئاب هو اضطراب نفسي يتميز بمشاعر دائمة من الحزن، فقدان الاهتمام أو الاستمتاع، والتعب المستمر، مع أعراض جسدية مثل اضطرابات النوم أو الشهية، وضعف التركيز، وأحيانًا أفكار سوداوية تصل إلى الانتحار.
أسباب الاكتئاب
- أسباب بيولوجية: خلل في توازن النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين.
- أسباب وراثية: وجود تاريخ عائلي للاكتئاب.
- عوامل نفسية: الصدمات النفسية، الفقد، التنمر، الشعور بالوحدة.
- أسباب اجتماعية: العزلة، الفقر، الفشل، البطالة.
الاكتئاب في ضوء القرآن الكريم
رغم أن مصطلح “الاكتئاب” لم يُذكر نصًا في القرآن الكريم، إلا أن القرآن تناول مشاعر الحزن، الضيق، والانكسار النفسي في أكثر من موضع، مشيرًا إلى أن هذه المشاعر إنسانية، وليست دليل ضعف في الإيمان كما يظن البعض.
آيات تشير إلى الضيق النفسي والحزن:
1.
حزن يعقوب عليه السلام على فراق يوسف:
“وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ ۖ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ”
(سورة يوسف: 84)
يعقوب عليه السلام كان نبيًا، ومع ذلك شعر بالحزن العميق الذي أثر حتى على جسده.
2.
ضيق صدر النبي محمد ﷺ:
“وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ”
(سورة الحجر: 97)
الضيق النفسي حتى للأنبياء ليس أمرًا غريبًا، وقد واساه الله بالتسبيح واللجوء إليه.
3.
حال مريم عليها السلام:
“فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا”
(سورة مريم: 23)
مريم شعرت بيأس شديد وخوف، حتى تمنت الموت، وهو شعور يشبه تمامًا ما يمر به المصابون بالاكتئاب.
كيف يعالج القرآن الاكتئاب؟
القرآن لا يقدم علاجًا طبيًا مباشرًا، لكنه يوجه الإنسان نحو السكينة النفسية، ومن أبرز الأساليب القرآنية التي تساعد في التخفيف من الاكتئاب:
- الذكر والتسبيح:
“أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”
(سورة الرعد: 28) - الصبر والاحتساب:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ…”
(سورة البقرة: 155-157) - الدعاء واللجوء إلى الله:
الدعاء من أقوى ما يربط الإنسان بالله في أوقات الانكسار:
“إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا”
(سورة مريم: 3) - التوكل على الله:
“وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”
(سورة الطلاق: 3)
الجانب العلاجي الطبي
رغم أهمية الإيمان والجانب الروحي، لا ينبغي إهمال العلاج الطبي والنفسي. الاكتئاب يحتاج أحيانًا إلى:
- العلاج النفسي: مثل العلاج المعرفي السلوكي.
- الأدوية المضادة للاكتئاب: تحت إشراف طبيب.
- الدعم الأسري والاجتماعي.
- النشاط البدني والغذاء الصحي.
الاكتئاب مرض حقيقي، وليس دليلاً على ضعف الإيمان أو الشخصية. القرآن الكريم عبّر عن مشاعر الحزن والضيق بأسلوب يراعي النفس البشرية ويحض على الصبر، الدعاء، والذكر. وعلى المسلم أن يجمع بين العلاج الروحي والعلمي للوصول إلى التعافي، فالله لا يبتلي إلا ليرفع، ولا يكسر إلا ليجبر.