عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي يكتبان:أنماط طرائق التفكير السوداني الوزراء تحت مسؤولية الدولة… والمواطن مسؤول عن نفسه
متابعات-مرآة السودان

الوزراء تحت مسؤولية الدولة… والمواطن مسؤول عن نفسه
تقوم الدولة الحديثة على مبدأ توزيع المسؤوليات بين الحكومة والمواطنين بموجب دستور ديمقراطي شامل وشفاف، حيث يُفترض أن تتولى المؤسسات الرسمية إدارة شؤون البلاد وفقًا للدستور والتفويض الممنوح من أصحاب السيادة الوطنية، بينما يُنتظر من المواطن الالتزام بالقوانين والمشاركة في التنمية ضمن واجباته الدستورية.
لا يمكن بناء وطن على طرف واحد فقط؛ فالمعادلة الناجحة هي:
“وزراء مسؤولون + مواطنون واعون = دولة مستقرة ومتقدمة”.
تقوم الدولة الحديثة على مبدأ التوزيع العادل للمسؤوليات بين الحاكم والمحكوم، حيث يتولى المسؤولون إدارة شؤون البلاد بما يحقق الصالح العام، بينما يُفترض بالمواطن أن يكون فاعلًا لا مجرد متلقٍ للقرارات.
الوزير ليس مجرد موظف حكومي، بل هو قائد تنفيذي لقطاع حيوي، كالصحة أو التعليم أو الاقتصاد، تقع عليه مسؤوليات ضخمة تتعلق بحياة الناس وكرامتهم.
ولكن الواقع يشهد بأن كثيرًا من الوزراء يتهربون من المساءلة والمحاسبة، خاصة في ظل غياب ثقافة الشفافية أو وجود حماية سياسية، مما يجعل الدولة نفسها متورطة في فشل السياسات العامة؛ إذ ما نشاهده من وزراء تم قبولهم محاصصةً، أو بقوة السلاح، أو عبر اتفاقات مناطقية، أو لأسباب إثنية وأيديولوجية.
الدولة، من جانبها، تمنح الوزير الصلاحيات والموارد التي تؤهله لأداء دوره، لكنها بالمقابل يجب أن تراقبه وتحاسبه وفق آليات الشفافية والمساءلة.
لكن في السودان، كثيرًا ما يُلاحظ غياب الدولة عن دورها الأساسي، لتنتقل الأعباء تلقائيًا إلى المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم يؤدون أدوارًا ليست من مسؤوليتهم.
فهل هذا الوضع طبيعي؟ وهل يمكن تحميل المواطن ما لا يحتمل، بينما يظل الوزراء بعيدين عن المحاسبة (بالعفوٍ عن ما سلف، أو بالتحلل)؟!
الوزير هو المسؤول التنفيذي الأول عن قطاع حيوي، ويُنتظر منه أداء مهمته بكفاءة ومسؤولية. لكنه لا يعمل في فراغ؛ فالدولة تمنحه السلطة والموارد، لكنها يجب أن تراقبه وتُحاسبه على كل تقصير.
تشمل واجبات الوزراء الأساسية وضع وتنفيذ السياسات العامة، لا أن توضع له ثم يُسأل بعد تمريرها، والحفاظ على المال العام، لا تبديده. ضمان عدالة الخدمات، لا محاصصتها أو توزيعها لضمان وصولها لمناطقهم أو قبائلهم. الاستقالة أو الإقالة عند الفشل، وهو أمر نادر في ثقافتنا السودانية.
لكن في السودان، اختلت هذه المعادلة، حيث نادرًا ما نرى وزيرًا يُحاسب، حتى مع الفشل الواضح في أداء وزارته، سواء في الصحة أو التعليم أو الاقتصاد أو الأمن. والمواطن… يتحمّل ما لا يُطاق. فيُطالب المواطن السوداني بتحمّل أعباء متزايدة دون أن تُوفَّر له أبسط حقوقه. بل تجاوز الأمر ذلك، ليبدأ المواطنون في أداء مهام يفترض أن تقوم بها الدولة.
وفي ما يلي بعض الأمثلة الحقيقية على ذلك:
بناء مراكز صحية بالجهد الشعبي في القرى، وشراء الأدوية من السوق الأسود، والسفر للعلاج بالخارج بسبب تهالك المستشفيات الحكومية، وأحيانًا توفير الأسرة ومستلزمات العمليات ومُعينات التمريض.
دفع مرتبات وحوافز وإسكان وإعاشة المعلمين، وتوفير المواصلات ومعينات التدريس من طباشير ووسائل تعليمية من قبل أولياء الأمور، بل وتشييد الفصول بالطين والطوب المحلي، وأحيانًا مدرسة كاملة بالمجهود الشعبي، بينما تكتفي الدولة بمراسم الافتتاح.
الاعتماد على آبار ومضخات اشتراها المواطنون جماعيًا، وحاليًا تركيب الطاقة الشمسية وصيانة الخطوط، في ظل وجود وزارات وإدارات مختصة غائبة.
ردم الطرق بالتراب والحجارة بجهود ذاتية، وإصلاح الجسور الصغيرة، ويقوم الآن إنسان مشروع الجزيرة المكلوم بنظافة الترع، وردم الكسور، وتنظيف الغيط، وتحضير الأرض، وجلب السماد والمبيدات بتمويل أهلي فردي وجماعي.
تنظيم الحراسات الليلية الشعبية في القرى والأحياء، والدفاع عن القرى ومحاربة المليشيات كما في ود النورة والسريحة، ولم تكن هذه القرى استثناءً. بالإضافة إلى مبادرات شبابية لمحاربة الجريمة والمخدرات.
اعتماد تام على التبرعات المحلية أثناء السيول أو النزوح، في أشكال النفير والتكايا والمبادرات الشعبية. في غياب واضح لوزارة الرعاية الاجتماعية أو الجهات المختصة.
حملات “نظّف حيّك” وإصحاح البيئة التي ينظمها المواطنون أسبوعيًا، وتنظيف الأسواق والمرافق العامة بجهود المجتمع المحلي.
فهل هذه مسؤولية المواطن فعلًا؟ من المؤكد أن للمواطن دورًا مهمًا في تنمية وطنه، لكن لا يمكن تحميله مسؤوليات الحكومة بالكامل.
فدوره الطبيعي هو الالتزام بالقوانين ودفع الضرائب. والمشاركة في الانتخابات والنشاط المدني والحفاظ على النظام العام.
لكن بناء المدارس، علاج المرضى، تأمين الأحياء، وإصلاح الطرق… كل هذه ليست من مسؤوليات المواطن، بل من صميم عمل الدولة ومؤسساتها.
إن اختلال ميزان المسؤولية بين المواطن والدولة في السودان أصبح مظهرًا خطيرًا للفشل الإداري والسياسي. وعندما يقوم المواطن مقام الدولة، فإننا لا نتقدم، بل نُكرّس الفوضى واللامسؤولية.
المطلوب هو: إعادة هيبة الدولة، وتفعيل المحاسبة، ورفع الكفاءة، حتى لا يُرهق المواطن أكثر مما يحتمل، ولا يبقى الوزير محصنًا من النقد والمساءلة.
فإن التفكير الواعي هو الضامن لمستقبل الدولة في حاكميتها، ولم تكن الحمية العاطفية أو الأيديولوجية هي ما يُؤسس الدول الحديثة، بل البرامج العلمية البحثية الحرة والمتحررة هي الضامن الوحيد لمستقبل البناء والتعمير والعدالة.