مقالات

في حضرة “كيكل” تتبدل قناعات عبدالماجد عبدالحميد 

 

في حضرة “كيكل” تتبدل قناعات عبدالماجد عبدالحميد

 

في أمسية رمضانية ثقيلة بالتاريخ والحرب، جمعتنا جلسة تفاكر طويلة بمدينة بورتسودان مع القائد أبوعاقلة كيكل، أحد أبرز الأسماء التي كانت تُصنف حتى وقت قريب على أنها ألغاز ميدانية يصعب فك شفرتها، فإذا به اليوم يفتح صدره للنقاش، ويتقبل بروح عالية جملة ملاحظات ونقد مباشر يتعلق بأداء الحلفاء، وتباين وجهات النظر، وتفاصيل حساسة في قلب معركة “الكرامة”.

 

كيكل.. عودة إلى العقل الاستراتيجي خلف الصفوف

 

ليس سراً أن أبوعاقلة كان من أقرب المقربين إلى قائد مليشيا الدعم السريع، موقع منح الرجل إطلاعاً استثنائياً على أدق تفاصيل ما جرى وما زال يجري. وقد كانت أبرز مفاجآته لنا مساء أمس تصحيح واحدة من أكثر الروايات شيوعاً؛ أن حميدتي خرج من المشهد منذ الأيام الأولى للحرب. كيكل نفى ذلك بشكل قاطع، مؤكداً أن زعيم المليشيا لا يزال فاعلاً ومشاركاً في إدارة العمليات، وأنه لم يغادر الخرطوم إلا قبل أيام من سيطرة الجيش على كبري سوبا.

 

مدني.. سقوط خارج الحسابات

 

أما ما يتعلق بسقوط مدينة ود مدني، فقد بدا واضحاً أن إفادات كيكل نسفت معلومات ظلت تُتداول على نطاق واسع، حيث كشف عن تفاصيل مؤلمة ومغايرة لما هو معروف، بأسلوب متماسك كشف عن حجم المعاناة التي سبقت السقوط، وتورط أطراف متعددة في المشهد.

 

الإمارات والدعم الخفي

 

وفي ما يشبه الاعتراف المدعّم بالتفاصيل، ذهب كيكل إلى أبعد مما كنا نتخيل، حين أزاح الستار عن مستوى الدعم الإماراتي لقوات التمرد، مشيراً إلى وقائع وأدلة يصعب دحضها، تتعلق بإمداد المليشيا بالسلاح والتجهيزات عبر وسائل متعددة، بعضها فُصل لنا بدقة مذهلة، كأنما كان الرجل يسرد من دفتر يوميات المعركة.

 

جنود من نار.. وحكايات من الألم

 

لا يمكن لمن جلس إلى كيكل أن يغفل ملاحظته لأفراد حراسته. شباب نحيفون، صارمون، لكن في عيونهم بريق ولاء لا يُخطئه النظر. حكى عنهم بفخر: من أصيب فعاد، ومن أُسر فحرّر، ومن استُشهد فترك وصية وُفِّيت. تحدّث عن أكثر من ألف من رجاله بين شهيد وجريح وأسير، دون مرارة، بل بروح الجندي الذي يملك حسابات أكبر من الألم.

 

وداعًا على أمل اللقاء في خط النار

 

سألته عند الباب: “الجاَبك بورتسودان شنو؟”

أجاب بابتسامة: “زي أي ضابط بيرجع بإذن لمؤخرة الجيش لأسباب إدارية.. وبعدها بيرجع لمحل شغلو.”

 

وغادرنا المكان، تاركين وراءنا قصة أخرى من قصص هذه الحرب التي لم تُكتب بعد، وكأننا خرجنا من غرفة عمليات ترويها ذاكرة حية لا تزال تنبض بوقع الرصاص.

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى