رشان أوشي: هل كانت “صدقة” رئيس الوزراء فضيحة سياسية؟
متابعات-مرآة السودان-رشان أوشي: هل كانت "صدقة" رئيس الوزراء فضيحة سياسية؟

رشان أوشي: هل كانت “صدقة” رئيس الوزراء فضيحة سياسية؟
متابعات-مرآة السودان
رواية مستشار رئيس الوزراء، محمد محمد خير، لم تكن مجرد حكاية متخيّلة؛ بل كانت، في جوهرها، اعتراف صريح من رئيس الوزراء نفسه، كشفت عورة العقلية التي تحاول حكم السودان.
حين يختار رئيس الوزراء أن يروي قصة عن “صدقة” قدمها لصحفي، فإننا لا نقف أمام سؤال أخلاقي عابر، بل أمام قضية سياسية مركزية: هل كانت تلك صدقة لوجه الله… أم كانت رشوة سياسية مغلّفة بأدبيات الإحسان؟
الصدقة، في شرع الأخلاق قبل شرع الدين، فعلٌ بين العبد وربه، تستتر كما تستتر النوايا الخالصة. إنها تُعطى دون شروط الامتنان، ولا تطالب اليد المعطاة بأصوات الهتاف.
هل يجوز لمن يزعم الإحسان أن يشترط الامتنان؟
إن إشارة رئيس الوزراء العلنية، ثم توظيف مستشاره للقصة في سياق التشهير بالصحفي عزمي، تُسقط قناع النبل تماماً. هذه لم تكن صدقة ولا عملاً خفياً؛ بل كانت رسالة سياسية فجّة، مغلّفة وموجّهة إلى كل صحفي حر: “اخضعوا… فالسلطة التي تعطي تستطيع أن تفضح وتُعرّي”.
هنا ينكشف العقل الذي يريد الدكتور “كامل إدريس” أن يدير به الدولة: عقل لا يرى في الصحافة شريكاً في بناء الوطن، بل خصماً يجب ترويعه وإخضاعه. إنه عقل يخلط بفظاعة بين إدارة شؤون الدولة وإدارة الولاءات الشخصية، عقل يستبدل ضرورة الحوار بـالوصاية، والنقد بالتخوين، والاختلاف بالترهيب.
إن أخطر ما في هذه القصة ليس مضمون المساعدة، بل ما ترمز إليه: تسليح الرواية الشخصية لتحجيم الحرية العامة، وتحويل فعل العطاء النبيل إلى أداة للابتزاز السياسي الرخيص. هذا تطبيع لتدخل السلطة في الفضاء الصحفي حتى تغدو الكلمة الحرة مدينة للحاكم، أو معرضة للفضيحة إن رفضت الانصياع.
من يحاول حكم السودان بـ**”عقل الترهيب”**، لن يبني دولة مواطنة راسخة؛ بل سيعيد إنتاج الخراب الذي سئمناه.
لسنا في معركة صدقة، نحن في صراع على طبيعة الدولة نفسها: هل هي دولة مواطنة أم دولة مِنّة؟ دولة حق أم دولة هبة؟
محبتي واحترامي.











