مقالات

رباح الصادق المهدى تكتب العمى الاستراتيجي والغزو الخفي: لماذا يجب أن نرى الحقيقة وراء الحرب في السودان

متابعات-مرآة السودان العمى الاستراتيجي والغزو الخفي: لماذا يجب أن نرى الحقيقة وراء الحرب في السودان

العمى الاستراتيجي والغزو الخفي: لماذا يجب أن نرى الحقيقة وراء الحرب في السودان

 

 

رسالة مفتوحة لدكتور المستقبل عمر الحبر، والأستاذ جعفر خضر

بعد التحية والاحترام..

(1)

ما قام به المهندس خالد عمر من جولة لتأييد رواية الإمارات/ الدعم السريع والحديث عن أن المشكلة في السودان *هي “الإسلام السياسي” وأنهم أس البلاء عمل أراه سيئا ليس لأن المؤتمر الوطني وأذياله بريئون من دم ابن يعقوب، بل لأنه يصرف النظر عن حقيقة الحرب في السودان باعتبارها عدوان أجنبي سافر استغل خلافاتنا السياسية والإثنية والجهوية ففجرها حربا لا تبقي ولا تذر.*

 

*لم يدخل الأعداء من حدودنا لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا (2)*

ومع أنني أخالف رؤيته إلا أنني *أرى أن موقفه ليس بعيدا عن رؤية كثيرين داخل النخبة المدنية الديمقراطية،* وأرى أن هذه النخبة مهمة جدا ومن المهم إجراء حوارات داخلها بعيدا عن التخوين والشيطنة للوصول لمشتركات دنيا حول هذه الحرب وضرورة إيقافها فورا.

(3)

وبرأيي أن قطاعات عريضة في النخبة الديمقراطية المدنية مصابة بإحدى العينين : *العمى الحضاري والاستراتيجي، أو العمالة.*

العين الأخيرة تجوز على قلة تريد من الأجنبي إحدى الحسنيين *المال أو الاستوزار في حكومة مرتقبة* وهؤلاء فضحهم سهل وتناقضاتهم سهل رصدها.

لكن المشكلة الأبلغ في رأيي هي تسيد العين الأولى لدى كثيرين: العمى الاستراتيجي والحضاري، فالبعض لا يدرك أن ما يحدث الآن في البلاد وقد وضح بجلاء وفضحته تقارير عالمية عديدة هو غزو أجنبي الإمارات فيه تتخذ الدعم السريع أداة وهي تلعب دورها كمثبط حضاري في المنطقة ليس بدءا بالدين الإبراهيمي وإضعاف الإسلام ذات نفسه *وليس مجرد الأخوان المسلمين* كممانع حضاري لتسبيخ المنطقة وإعدادها للهيمنة الص@يونية، ولا انتهاء بإشعال الحروب في المنطقة وزرع الفوضى لتحقيق التقطيع *استراتيجية اتخذت منذ ثمانينات القرن الماضي وعبر عنها وزير أمن أبناء يعقوب الداخلي آفي دختر في 2008م* وقد نفذت في السودان فحققت انفصال الجنوب في 2011م بأيادٍ أخرى، والآن تلعب دورها بأيدي الإمارات بعد أن دشنت وكيلا رسميا للمخطط فعملت على تقسيم اليمن وليبيا وفصل دارفور بحكومة تأسيس والقافلة الإجرامية تسير (الخطة الموضوعة سلفا أن يقسم السودان إلى خمس دويلات)، وربما ما يصنعونه اليوم اسوأ من التقسيم ذاته: زرع الفوضى والبربرية والعنصرية الفجة والنهب الافتراسي على يدي آل دقلو..

(4)

هذا العشى الاستراتيجي يبين بجلاء اليوم، فمن الاستراتيجية أن تنظر لهدف عدوك النهائي حتى عندما يبتسم في وجهك ويعلن لك أنه يتفق معك في أهدافك من محاربة للأخوان المسلمين وإعادة للديمقراطية بينما لا خلاف حقيقي له مع الأخوان المسلمين كما أثبتت واقعة تكريم القرضاوي عام 2000م، ولا شغل له بالديمقراطية بدليل حظه منها..

ومن العشى الاستراتيجي أن تقيس وقائع اليوم بأحداث الأمس فتظل رهينًا لخبرة وتجربة سابقة وأنت تواجه تعقيدات غير مسبوقة.

ولكن كثيرين ممن ناهضوا نظام الإنقاذ البئيس (الذي سهل مهمة العدو الحضاري والقومي على مدى ثلاثين عاما) خوفوا لدرجة الرعب بفزاعة (الكيزان) التي اتخذها الدعم السريع قميص عثمان.

والدعم السريع موبوء بهم من رأسه حتى أخمص قدميه! اسألوا عزت الماهري: *بل أين هو عزت الماهري؟*

(5)

جماعة الدعم السريع وإن كانوا حليقي الذقون ويسبون “الإسلام السياسي” فهم النسخة الأبشع من الكيزان لا فقط صنيعة أيديهم كما ظل حبيسو الكيزانوفوبيا يرددون بحق، إنهم حواريوهم الذين غلبوا شيوخهم في كل مساوئهم من شراء الذمم وبيع الأوطان والغلظة على الشعب والمحلسة للأجنبي ونهب الثروات والممتلكات والعنصرية البغيضة السافرة وحتى في التكبير وهم يرتكبون افظع الجرائم، وفي قولهم للمصلي : *لا يوجد رب هنا كما كان يفعل جلاوزة أمن الأبالسة!*

إن الذي يعرف الحق بالرجال مثل الذي يعرف الباطل بالرجال، والفيصل أن نعرف الباطل لنعرف أهله. *ولا أظن من باطل سافر في سودان اليوم مثل الدعم السريع ومثل الإمارات التي ليست فقط تدعم الدعم السريع بل هذه الحرب هي حربها التي دفعت فيها حتى الآن مئات المليارات من الدولارات ولا تزال ماسورة دعمها مستمرة للدعم ولشراء الولاءات في دول الجوار لتدعم الدعم السريع أو تمنع دعم الجيش (تشاد، كينيا، أثيوبيا، جنوب السودان، ومصر لتغل يدها عن الجيش، وانت ماشي)..* هذا ليس لأجل عيون الدعم السريع العسلية وطعمه العربي..!

بل هذه وصفة موضوعة بذكاء وتدبير ذي حنك، يستغل “دقستنا” الحضارية وغرقنا في الخلافات والاستقطابات السياسية والإثنية والمذهبية بل والشخصية..

(6)

إن هزيمتنا لهذه الحرب المرسومة بدهاء لن يكون بأن نشيطن بعضنا الآخر، بل أن ننتبه لما يرسم لبلادنا ونبطله بالوعي وبالتسامح مع اختلافاتنا والاتفاق على تجاوزها لأجل الوطن.. فعلها أجدادنا عشية الاستقلال فتركوا إحنهم وأحقادهم وجاءوا لكلمة سواء.. فهل نقدر أن نفعلها اليوم لنوقف هذه الحرب اللعينة والمعمولة بمقت ومكر لدك البلاد؟

أقول هذا وأنا أعرف نبل منطلقكما وأعلم همكما بالوطن والخشية عليه من مؤامرات الإمارات وأسيادها، وأرجو أن تتقبلا ما قيل من سوء في حقكما من باب رد العدوان بمثله، وقد خبرت الدكتور القادم عمر الحبر ومناهضته لظلم المؤتمر الوطني منذ أيام سطوته، كما تعاملت مع الأستاذ جعفر خضر منذ بدايات العقد الثاني من الألفية حينما كان يقود الثورة في القضارف ويدفع أثمانًا باهظة.. وصفحته البيضاء معلومة لكل من كان أصيلا في سلك الثورة مذ كانت جنينا في رحم الغيب، ومثله لا يُزايَد عليه.

(7)

بعد كل هذه المقدمة الطويلة أتساءل: هل نستطيع ألا نحمل اختلافاتنا محمل التخوين وأن نفضح المؤامرة كما نراها في المقام الأول، ونعطي من يخالفنا الرأي (منحة الشك) في أن يكون اختلافه عنا صادقا وأمينا، فهو إذ يرى (الكيزان) أس البلاء يهوّن ما عداهم من بلاءات ولا يوافقنا الرأي أن الدعم السريع هو ليس فقط (درب الفيل الذي غطى درب الجمل) بل هو أداة غزو أجنبي بغيض تتلاشى أمامه الأحاديث عن كيزان ودعم وأمة وشيوعي واتحادي وهلم جرا؟

إنك لن تهزم عدوك بأن تحقق مبتغاه: زيادة الشقة بين بني الوطن وتحقيق استراتيجية شد الأطراف وبترها! أما كيف السبيل لتجاوز خلافاتنا هذه والبعض يساعد العدو بل ويصير مخلب قط له (وهو يظن أنه يحسن صنعا) فهذا أمر صعب وقد يرى مستحيلا، ليمنحنا الله حكمة الأجداد، ولتساعدنا دعوات الصلّاح وما أكثرهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى