مقالات

د. طارق عشيري يكتب هل حددنا مشكلتنا في السودان

متابعات -مرآة السودان دكتور طارق عشيري هل حددنا مشكلتنا في السودان

همسه وطنيه

 

  بقدر ماكتبنا خلال هذا الحرب من مقالات عديده عن أزمات السودان المتعددة لم يبارح عقلي هذا السؤال وهو هل حددنا مشكلتنا في السودان رغم انني تطرقت بالتحليل والوصف لكل مشكلة لوحدها ووضعنا لها الحلول التي تقودنا الي الإصلاح لكن تبقي هناك عله وهي منذ استقلال

 السودان ظل سؤال الأزمة الوطنية يتكرر جيلاً بعد جيل، لكننا لم ننجح حتى اليوم في وضع يدنا على أصل الداء. كثيرًا ما انشغلنا بعوارض الأزمة؛ من حرب، وفقر، وانقلابات، وانهيار اقتصادي، بينما جذور المشكلة أعمق من ذلك بكثير لم نضع بعد مشروعا

وطنيًا يتفق عليه كل السودانيين، يحدد هويتهم المشتركة، ويجمعهم حول رؤية موحدة لبناء الدولة. لذلك ظل السودان يعيش في صراع الهويات والانتماءات المتناحرة، بدلًا عن أن يكون وطنًا يتسع للجميع.

النخب السياسية والعسكرية ظلت تنظر إلى السلطة باعتبارها غنيمة، وليس وسيلة لبناء مؤسسات. هذا الصراع حوّل الدولة إلى ساحة نزاع دائم، وعمّق الإحساس بالظلم، فاشتعلت الحروب وتوسعت الفجوات الاجتماعية.

غياب المؤسسات المستقلة وانهيار سيادة القانون جعل الدولة هشة، عرضة للانقلابات والانقسامات. وعندما يغيب القانون، تسود شريعة القوة، ويتحول المواطن إلى ضحية في وطنه.

إن أكبر خطأ ارتكبناه أننا ركّزنا على النتائج وتركنا الأسباب. نظرنا إلى الحرب كأنها المشكلة بينما هي نتيجة، اعتبرنا الانقلابات هي الأزمة بينما هي انعكاس لفشل النظام السياسي، رأينا الفقر والجوع كأنهما أصل الأزمة بينما هما مخرجات لغياب العدالة في توزيع الموارد.

تحديد المشكلة هو نصف الطريق إلى الحل. والسؤال الجوهري اليوم: هل نحن متفقون على تعريف مشكلتنا قبل أن نبحث عن حلول؟ إن لم نتفق على أصل الداء، فلن نجني إلا مزيدًا من الدوران في ذات الحلقة المفرغة.

السودان، رغم غناه بالموارد وتنوعه الثقافي، لم يتمكن من صناعة مشروع وطني واحد يوحد أبناءه. فبدلًا من ذلك، ظل كل إقليم، وكل حزب، وكل جماعة تبحث عن نفسها بمعزل عن الآخرين. هذا التشرذم أضعف الشعور بالانتماء للوطن الجامع، وجعل الدولة عرضة للتفكك والانقسام.

منذ فجر الاستقلال، تحولت السلطة في السودان إلى غاية في ذاتها، تُطلب بالقوة أكثر مما تُنال بالديمقراطية. صراع النخب على الحكم جعل يدخل مرارًا في السياسة، وحوّل الدولة إلى غنيمة يتقاسمها المنتصرون. ونتيجة لذلك، بقيت موارد السودان الهائلة أسيرة الفساد وسوء الإدارة، بدل أن تكون أساسًا للنهضة.

لا يمكن لدولة أن تنهض بلا مؤسسات راسخة وقوانين عادلة. لكن السودان عرف عبر تاريخه مؤسسات هشة، تُبنى وتُهدم مع كل انقلاب. القانون غالبًا ما يُطبق بانتقائية، والعدالة ظلت بعيدة المنال، مما فتح الباب واسعًا أمام الظلم والتمرد والفوضى.

الخطأ الأكبر أننا ظللنا نخلط بين الأعراض والمرض.

الحرب ليست هي المشكلة، بل نتيجة لغياب العدالة والمشروع الوطني.

الانقلابات ليست أصل الداء، بل انعكاس لفشل النظام السياسي.

الفقر والجوع ليسا البداية، بل ثمرة لغياب الإدارة الرشيدة للموارد.

إذا لم نتفق كسودانيين على تعريف مشكلتنا الحقيقية، فسوف نستمر في الدوران داخل الحلقة المفرغة نفسها. فكل إصلاح يبدأ من الاعتراف بالمرض. والتاريخ علّمنا أن الشعوب لا تنهض إلا حين تضع مشروعًا وطنيًا جامعًا يعلو فوق الانقسامات، ويجعل الوطن أكبر من الحزب، وأغلى من القبيلة، وأبقى من المصالح الشخصية.

لقد آن الأوان أن نتوقف عن معالجة الأعراض، وأن نواجه الحقيقة: مشكلتنا في السودان ليست الفقر ولا الحرب وحدها، بل غياب الرؤية الوطنية الجامعة. إذا لم نحدد داءنا ونتفق على علاج، فلن يكون الغد أفضل من الأمس. السودان يستحق أن نضع مصلحته أولًا، وأن نصنع مشروعًا يلمّ شتاته، قبل أن نفقد ما تبقى من وطن. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى