د. حسين العالم يكتب: تدهور الجنيه السوداني: أزمة متراكمة بين سياسات متعثرة وتحديات مستمرة
متابعات- مرآة السودان

د. حسين العالم يكتب: تدهور الجنيه السوداني: أزمة متراكمة بين سياسات متعثرة وتحديات مستمرة
بينما يُعلن رئيس الوزراء عن تخفيض أسعار السلع ورسوم الجمارك، يصرخ المواطن السوداني من وطأة تضخمٍ تجاوز 400%، وانهيارٍ تاريخي للجنيه أمام الدولار (أكثر من 2700 جنيه). هذه الإجراءات التي تُباع للجمهور كـ”حلول سحرية”، أثبتت عقودٌ من التجارب أنها مجرد مُسكِّنات وهمية تُغذي جيوب التجار والوسطاء، بينما تزداد جروح الاقتصاد عمقًا.
تدهور قيمة الجنيه ليس طارئًا، بل نتيجة تراكمية لعقود من العلل الهيكلية:
1. **التمويل التضخمي**: إصدار النقود لتمويل العجز الحكومي (خاصةً الإنفاق العسكري والبيروقراطي).
2. **دعم مشوَّه**: سياسات دعم مستنزفة للموازنة، شجَّعت على التهريب والفساد.
3. **سعر صرف مشوه**: تعدد أسعار الصرف (رسمي، موازي، مصرفي) أفسد سوق العملة.
4. **اقتصاد ريعي**: اعتماد مُفرط على عائدات النفط المُتقلبة، وإهمال الزراعة والصناعة.
5. **نزيف الصراعات**: حروب أهليّة استنزفت 75% من موارد البلاد بعد انفصال الجنوب.
6. **دَيْن خارجي خانق**: فوائد ديون تُجاوز 60 مليار دولار تُكبِّل الاقتصاد.
الإصلاحات الفاشلة: صدمات بلا نتائج! كل المحاولات السابقة وقعت في فخ “الترقيع” بدل الجراحة الجذرية: مثل تحرير سعر الصرف (2020): وانهار الجنيه من 55 إلى 600+ دولار، ثم تجاوز 2700 مع الحرب!
إلغاء دعم الوقود أضرَّ بالفقراء وزاد التضخم دون حل مشكلة التشوّهات.
تخفيضات أسعار “وهمية”**: تبتلعها شبكات الفساد، ولا تصل للمواطن.
> “المستهلك يدفع الثمن.. والتجار يجنون الأرباح!”
لماذا تفشل الحلول؟ ثلاث كوارث قاتلة
1. **غياب الإرادة السياسية**: إصلاحات تُتخذ تحت ضغط المؤسسات الدولية، ثم تُهمل عند أول احتجاج شعبي.
2. **الفساد المُؤسسي**: شبكات محسوبية تحوِّل الإصلاحات إلى منصات للنهب.
3. **إصلاحات بلا رؤية**: التركيز على تخفيف الأعراض (العجز، التضخم) وإهمال المرض الأساسي (ضعف الإنتاج).
–
الحل المطروح: دعم الإنتاج.. لا الاستهلاك!
الأولويات العاجلة لإنقاذ الجنيه يجب أن تنقلب رأسًا على عقب:
باستبدال السياسات التقليدية الخاطئة المتمثلة:
في تخفيض أسعار السلع الاستهلاكية ودعم المستوردات الكمالية و تمويل العجز بطباعة النقود
الى البديل الاستراتيجي |المتمثل في:
إعفاء مدخلات الإنتاج (بذور، آلات، وقود زراعي) من الجمارك |
تشجيع الصادرات (زراعية، تعدينية) بتحفيزات ضريبية
استقطاب استثمارات أجنبية للعمل في مجال الصناعات التحويلية
لا يُرفع سعر العملة بتخفيض الأسعار، بل بتصدير سلع تُدخل عملة صعبة!”
ولكن التحدي الأكبر: الحرب تطحن كل الحلول!
الصراع الدائر منذ 2023 دمَّر البنى التحتية، وعطَّل إنتاج الذهب (أهم صادرات السودان)، ودفع الاقتصاد إلى حافة الانهيار الكلي. أي خطة إنقاذ تتطلب:
1. **وقف إطلاق النار الفوري**: لاستعادة الاستقرار كشرط لأي إصلاح.
2. **مصالحة وطنية**: لبناء توافق حول سياسات اقتصادية طويلة المدى.
3. **محاربة الفساد**: بمحاكمات علنية تسترد الأموال المنهوبة.
عموما الجنيه السوداني في غرفة الإنعاش يلفظ أنفاسه بعد رحلة عذاب دامت 50 عامًا. إنقاذه لن يكون بتخفيضاتٍ تُعلنها الحكومة في مؤتمرات صحفية، بل بإرادة سياسية تُحوِّل السودان من “دولة ريع” إلى “دولة إنتاج”. الزراعة والصناعة هما البوابة الوحيدة لخلق فرص العمل، وتوليد العملة الصعبة، وإعادة الاعتبار للجنيه. أما استمرار سياسات “الترقيع” فسيكون شهادة وفاة للاقتصاد السوداني بأكمله.
السودان يمتلك أرضًا تزرع قارات، وأنهارًا تُنعش صحارى.. فلماذا يستجدي العملة؟”