د.حسين العالم يكتب الغربال + دولة القيم قبل دولة الجماعات: قراءة تأسيسية في معنى السياسة
متابعات-مرآة السودان دولة القيم قبل دولة الجماعات: قراءة تأسيسية في معنى السياسة

دولة القيم قبل دولة الجماعات: قراءة تأسيسية في معنى السياسة
حتى نخرج من الاطار الضيق للسياسة نطرح هذا الفهم والذي يرتكز على وحدة الإله، ووحدة البشرية، والقيم الكونية المشتركة، يمكن إعادة تعريف ومعالجة السياسة كما يلي:
إعادة تعريف السياسة في ضوء الفطرة الإنسانية الكونيةالسياسة – في هذا التصور – ليست صراعًا على النفوذ أو إدارة المصالح الضيقة، وإنما هي:
“فن وعلم تنظيم الحياة المشتركة للمجتمع البشري، انطلاقًا من الإقرار بوحدة الأصل الإنساني، ووحدة القيم الفطرية التي تشمل العدل والكرامة والرحمة والتعاون، وهدفه تحقيق كرامة الإنسان وعمارة الأرض في ظل نظام يعكس هذه الوحدة ويكافح كل أشكال التفرقة والطغيان.”
وهذا التعريف يقوم على الأسس التالية:
1. وحدة الإله (المصدر الأخلاقي الموحد) تعني أن النظام الأخلاقي للسياسة واحد ومصدره العدل المطلق.
2. وحدة البشرية (أصل البشر واحد) ترفض كل تقسيمات الجنس واللون والثراء والجغرافيا والدين كأساس للتفاضل أو التمييز في الحقوق والكرامة.
3. القيم المشتركة الفطرية – مثل حب العدل، كراهية الظلم، التعاطف، السعي للحرية والأمن – هي أرضية مشتركة يمكن أن تُبنى عليها المواثيق الاجتماعية.
معالجة السياسة في الوثيقة المقترحة في ضوء هذا الفهم
1. الفلسفة الهيكلية: النظام الدستوري المزدوج
· يمكن تفسير الفصل بين “مجلس الشيوخ” (الاستقرار والهوية) و “مجلس النواب” (التنمية والتحديث) على أنه تجسيد لفكرة التوازن بين الثوابت الإنسانية (كالحاجة للأمن والهوية المشتركة) و المتغيرات التنموية (كالتقدم الاقتصادي والاجتماعي).
· لكن يجب أن يكون أساس تمثيل المجلسين هو المواطنة المتساوية وليس الانتماءات الفرعية، مع الاعتراف بالتنوع دون تمييز. فالقوات النظامية والإدارات المحلية يجب أن تخدم الجميع تحت مظلة “المواطنة الواحدة”.
2. التشخيص الاستراتيجي: جذور الأزمة
· الأزمة السودانية (وغيرها) نتجت عن الخروج عن الفطرة الإنسانية عبر:
· تسييس الهوية: تحويل الاختلافات (عرقية، دينية، قبلية) إلى أدوات للصراع والهيمنة.
· الاقتصاد الطفيلي: تقسيم الناس وفق الثراء والفقر، وإشاعة الظلم في توزيع الموارد.
· العلاج هو العودة إلى المبادئ الكونية: العدل في توزيع السلطة والثروة، الاعتراف بالكرامة المتساوية.
3. حوكمة الإدارة: الخدمة المدنية المستقلة
· يجب أن تكون الخدمة المدنية مبنية على الكفاءة والنزاهة فقط، لا على الولاءات الضيقة.
· مسار السلم الإداري الدائم يجب أن يجسد الاستمرارية والحياد لخدمة كل المواطنين دون تمييز.
· مسار النظام التعاقدي يجب أن يهدف لاستقطاب الكفاءات لتحقيق التنمية الشاملة التي تخدم البشر جميعًا.
4. المنهجية والمرحلية: طريق النفاذ
· فقه المرحلية يجب أن يسير نحو توحيد الحقوق والواجبات تدريجيًا، وعدم تكريس التقسيمات.
· الدستور الدائم يجب أن يكون عقدًا اجتماعيًا يعترف بوحدة البشرية، ويحرّم التمييز بأي شكل، ويؤكد أن Sovereignty (السيادة) هي للقيم العليا المشتركة (العدل، الكرامة، السلام) وليس لفئة أو جماعة.
5. الغاية الوطنية: بناء الإنسان
· التربية الوطنية يجب أن تُبنى على مفهوم المواطنة العالمية والإنسانية المشتركة، حيث يتعلم الشباب أن الانتماءات الجزئية (قبلية، إقليمية، دينية) هي للتنوع والاغتناء، وليس للتفرقة والصراع.
· تحرير الشباب يكون بتوجيههم نحو خدمة الإنسانية، والإيمان بأن عمارة الأرض واجب مشترك.
القيم المشتركة التي يجب أن تُذكر صراحة في أي مشروع سياسي
1. العدل: وهو أساس الملك، ويمنع الظلم والطغيان.
2. الكرامة الإنسانية: لكل فرد، بغض النظر عن أي اعتبار.
3. الحرية المسؤولة: حرية الفرد ضمن احترام حرية الجماعة والمصلحة العامة.
4. التعاون والتراحم: كقيم فطرية تدعم التضامن الاجتماعي.
5. العقلانية والحكمة: في إدارة الاختلاف وتصريف المصالح.
6. السلام: كهدف أعلى للتجمع البشري.
توصية ختام
أي معالجة للواقع السوداني (أو أي واقع مماثل) يجب أن تضع في صلب دستورها الإعلان عن وحدة الإنسانية ورفض التمييز، وأن تجعل العدل والكرامة هما الغاية الرئيسية للنظام السياسي، مع تصميم مؤسسات تحول دون عودة النزعات التفرقية أو الطغيان الاقتصادي والسياسي.
بهذا تكون السياسة قد عادت إلى فطرتها الإنسانية النبيلة: خدمة البشر، لا السيطرة عليهم؛ وتعزيز الوحدة، لا التفرقة؛ وتحقيق العدل، لا إشاعة الظلم.









