د.حسين العالم يكتب الشمول بين الحرية والقيود قراءة في حوار د.أمين حسن عمر والمحبوب عبدالسلام
متابعات-مرآة السودان الشمول بين الحرية والقيود قراءة في حوار د.أمين حسن عمر والمحبوب عبدالسلام
الشمول بين الحرية والقيود قراءة في حوار د.أمين حسن عمر والمحبوب عبدالسلام
يشهد الساحة الفكرية هذه الأيام حوارًا هامًا بين الدكتور أمين حسن عمر والمحبوب عبدالسلام، يتمحور حول مفهوم “الشمول” وعلاقته بالحرية، وهو المفهوم الذي كان من بين الأسباب التي دفعت المحبوب عبدالسلام إلى الابتعاد عن الحركة الإسلامية في السودان. فما هي جذور هذا الخلاف؟ وهل “الشمول” يتعارض حقًا مع الحرية؟
الشمول لغةً: العموم والاحتواء
بالعودة إلى المعنى اللغوي لكلمة “شمول”، نجد أنها تعني العموم، السعة، وعدم الاستثناء. أي أن يشمل الشيء جميع الأفراد أو الأجزاء دون إقصاء لأحد. إنها تعبير عن الاحتواء والتغطية الكاملة والمشاركة العادلة، سواء في سياق اجتماعي أو إحصائي أو لغوي. فالشمول يعني الوصول العادل والمشاركة لجميع الأفراد، بغض النظر عن الجنس أو اللغة أو القدرة أو الدين.
الشمول في الشريعة الإسلامية: دين شامل لكل زمان ومكان
أما في الشريعة الإسلامية، فإن مفهوم الشمول يعني أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، يغطي كافة جوانب حياة الإنسان (العقيدة، الأخلاق، العبادات، المعاملات، السياسة، الاقتصاد، المجتمع، الفرد). إنه منهج حياة متكامل وشامل يهدف إلى تنظيم حياة البشر في جميع شؤونهم الخاصة والعامة، ويقدم الحلول لكل مشكلاتهم، وهو منهج عالمي لا يختص بأمة أو جيل، بل يخاطب الإنسانية كلها.
يتجلى الشمول في الإسلام في ثلاثة أبعاد رئيسية:
1. الشمول الموضوعي: يغطي كل شؤون الحياة الروحية والجسدية، الخاصة والعامة، الفردية والجماعية.
2. الشمول الزماني: صالح لكل العصور والأزمان، من الماضي والحاضر والمستقبل.
3. الشمول المكاني (العالمية): دين لكل الناس في كل بقاع الأرض، وليس خاصًا ببلاد العرب أو الشرق.
مفارقة التطبيق: هل يتحول الشمول إلى قيد؟
المفارقة تكمن في التطبيق. فبينما يبدو مفهوم الشمول في الإسلام جذابًا ومثاليًا، إلا أن الجماعات الإسلامية قد تقع في فخ تحويل هذا الشمول إلى قيد على الحرية، من خلال:
– التفسير الضيق للشريعة: تبني تفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية، وفرضها على المجتمع بالقوة.
– إلغاء التنوع والاختلاف: محاولة فرض رؤية واحدة للحياة، وإلغاء التنوع والاختلاف في الآراء والأفكار.
– تقييد الحريات الشخصية: التدخل في الحريات الشخصية للأفراد، وفرض قيود على اللباس والتعبير والسلوك.
– تبني العنف كوسيلة للتغيير: اللجوء إلى العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية، وإعلان الجهاد دون شروطه وضوابطه الشرعية.
هل يحق للجماعات الإسلامية إعلان الجهاد أو الاستعداد له؟
الإسلام يقر مبدأ الدفاع عن النفس والدين، ولكن ضمن ضوابط شرعية دقيقة. فالجهاد في الإسلام أنواع، وليس مجرد رد فعل عسكري. يجب أن يكون العمل العسكري تحت قيادة شرعية، مع مراعاة المصالح والمفاسد، والالتزام بآداب الحرب في الإسلام.
العلماء المعتدلون يفرقون بين حق الدفاع المشروع عن النفس والأرض والعرض، وبين العمل العسكري المنظم الذي يحتاج لإذن ولي الأمر، والأعمال الفردية والعشوائية التي تضر ولا تنفع.
الرؤية الوسطية: التوازن بين الشمول والحرية
الرؤية الإسلامية المعتدلة ترى أن الدفاع حق مشروع بضوابطه، وأن الشمولية الإسلامية لا تعني إلغاء التدرج والحكمة في الدعوة. يجب أن تكون الأولوية للإصلاح السلمي والتعليم والدعوة بالحكمة، وأن يكون اللجوء للعمل العسكري حالة استثنائية عند الضرورة القصوى وبتوفر شروطه.
الترجيح: نحو فهم متوازن للشمول
في ضوء هذا الحوار الدائر بين الدكتور أمين حسن عمر والمحبوب عبدالسلام، يبدو أن القضية ليست في مفهوم الشمول ذاته، بل في كيفية تطبيقه. فالشمول الحقيقي يجب أن يكون شاملًا للحرية والعدالة والمساواة، لا أن يكون قيدًا عليها. يجب أن يكون شاملاً للتنوع والاختلاف، لا أن يكون إلغاءً لهما. يجب أن يكون شاملاً للرأي الآخر، لا أن يكون قمعًا له.
إن الحركة الإسلامية بحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم الشمول، وتطبيقه بطريقة تحقق التوازن بين الثوابت والمتغيرات، وبين الأصالة والمعاصرة، وبين الشمول والحرية. عندها فقط يمكن أن يكون الشمول قوة دافعة نحو التقدم والازدهار، لا عائقًا أمامه.











