مقالات

د. حسين العالم يكتب: السودان وتيه الأنظمة الاقتصادية: شعارات ترفع.. وشعوب تجوع

متابعات-مرآة السودان

السودان وتيه الأنظمة الاقتصادية: شعارات ترفع.. وشعوب تجوع

متابعات-مرآة السودان: منذ استقلاله، ظل السودان ساحة لتجارب اقتصادية متقلبة، تتأرجح بين الرأسمالية والاشتراكية والنظام الإسلامي، كسفينة في عاصفة تبحث عن مرسى آمن. كل نظام جاء بشعارات براقة، لكن النتيجة كانت غالباً واحدة: **شعوب تئن تحت وطأة الفقر، واقتصاد يترنح على حافة الهاوية.**

**الرأسمالية: حرية السوق.. وحتمية الفجوة!**
بعد الاستقلال مباشرة، تبنت الحكومات الأولى (1956-1958) نظاماً **ليبرالياً هشاً**. اعتمد على الزراعة (مشروع الجزيرة) وحرية السوق، لكنه وقع في فخ التبعية للشركات الأجنبية وغياب التصنيع. نتائجها؟ أزمات مالية، ديون متراكمة، وتذمر شعبي مهّد لانقلاب عبود الذي تبنّى نظاماً **وسطياً موجهاً**، ركز على مشاريع البنية التحتية الكبرى تحت سيطرة الدولة، لكنه فشل في تنويع الاقتصاد.

**الاشتراكية: حلم العدالة.. و كابوس البيروقراطية!**
جاء نميري (1969-1985) بخطاب ثوري اشتراكي: **تأميم البنوك والشركات**، سيطرة الدولة على مفاصل الاقتصاد. لكن التجربة سرعان ما انقلبت. بعد فشل انقلاب 1971، تحول النميري بسرعة مذهلة إلى أحضان الليبرالية تحت ضغوط خارجية: **خصخصة، انفتاح، وإلغاء دعم** أدى لموجات غلاء مدمرة. خرج السودان من عهده مثقلاً بالديون وبالتضخم الجامح (65%)، شاهدا على **تناقض صارخ** بين الخطاب والممارسة.

**الاقتصاد الإسلامي: بين الأمل.. والأوهام !*
مع انقلاب 1989، رفعت “حكومة الإنقاذ” راية “الاقتصاد الإسلامي” كحل سحري: **إحلال الصيرفة الإسلامية، تطبيق الزكاة رسمياً، وشعارات “نأكل مما نزرع”**. الواقع كان مريراً:
– **تناقض جوهري**: رفع شعارات الاستقلال عن البنك الدولي، ثم الانبطاح لسياساته (خصخصة، تقشف) في التسعينات.
– **الفساد المؤسسي**: سيطرة الشركات الأمنية والحزبية، وتحول الاقتصاد إلى “غنيمة”.
– **الريعية النفطية**: إهمال الزراعة والاعتماد شبه الكلي على النفط، لينفجر الوضع بعد انفصال الجنوب وفقدان 75% من العائدات.
– **الإفلاس الأخلاقي**: بينما نادى النظام بالعدالة، تفشى الفقر والبطالة تحت وطأة الإنفاق العسكري الهائل.

**الدرس القاسي: النظام لا يكفي.. والقيم أساس!**
التجربة السودانية تكشف حقيقةً مُرَّة: لا يكفي تبني نظام اقتصادي – أيّاً كان – لضمان الرخاء. **الأنظمة بلا قيم راسخة تصير قوالب فارغة**. الرأسمالية تنتج طبقية جشعة دون ضوابط أخلاقية، والاشتراكية تتحول لبيروقراطية خانقة بغياب الديمقراطية، والإسلامي يتحول لغطاء فاسد إذا غابت “حفيظ عليم” كيوسف عليه السلام، الذي جمع بين العلم والأمانة لخدمة الناس.

القرآن الكريم لم يفصل بين الاقتصاد والأخلاق: {فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ}. الأمن من الجوع والخوف لا يتحققان بشعارات أو أنظمة جوفاء، بل بـ:
– **الشفافية** في المال العام.
– **الأمانة** في إدارة الموارد.
– **العدل** في توزيع الثروة.
– **إخلاص النية** لخدمة الشعب، لا تكديس الثروات والسلطة.

السودان اليوم أمام فرصة تاريخية: بناء اقتصاد وطني حقيقي يتطلب **مصالحة صادقة مع المبادئ، لا مع الشعارات**. فالشعوب لا تشبع بالخطابات، بل بالعدل، والعمل الجاد، والتمسك بقيم “حفيظ عليم” التي تجعل أي نظام اقتصادياً.. إنسانياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى