.حسين العالم يكتب:استغلال العاطفة والتعتيم على الحقائق: سلاح القادة في المشهد السوداني

د.حسين العالم يكتب:استغلال العاطفة والتعتيم على الحقائق: سلاح القادة في المشهد السوداني
يُلاحظ في التاريخ السياسي السوداني تكرار نمط من الاستغلال المنهجي لعاطفة الجماهير وانقيادهم، حيث يستخدم القادة هذا الولاء الشعبي أداة لتعزيز سلطاتهم أو حماية مواقعهم، حتى ولو كان ذلك على حساب الحقيقة والشفافية.
ففي حادثة الإمام الهادي المهدي، الذي توفي في منطقة الكرمك، امتنعت الدولة آنذاك عن إعلان وفاته، تفادياً لتحمل المسؤولية السياسية والأمنية المترتبة على الحدث. كما أن السيد الصادق المهدي، رغم علمه بوفاة الإمام، آثر الصمت خشية فتح باب الخلافة في الإمامة، ما قد يؤدي إلى فقدانه السيطرة على زمام القيادة الدينية، في وقت كان كثير من أتباع الإمام يعتقدون أنه “غائب وسيعود”.
ذات النهج ظهر في تجربة الحركة الإسلامية عند مجيء نظام الإنقاذ، إذ قرر مجلس الشورى حل الحركة وتوزيع المصاحف على الأعضاء ممهورة بتوقيع الدكتور حسن الترابي. ورغم صدور القرار رسميًا، لم يُبلّغ به غالبية الأعضاء، في خطوة متعمدة لإبقائهم خارج دائرة الفعل السياسي، مع الإبقاء على علاقة مرنة يمكن استدعاؤها عند الحاجة. وبهذا وجد كثير من أعضاء الحركة أنفسهم على الهامش، يدفعون ثمن قرارات لم يكونوا جزءًا منها.
ويبدو أن هذا “التغييب المتعمد” لا يزال يُمارس حتى اللحظة، كما في حالة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، إذ لا يزال الغموض يلف مصيره، بين من يقول إنه حي ومن يعتقد بوفاته، في ظل غياب إعلان رسمي واضح، رغم تصريحات صحفية متفرقة. ويُنظر إلى هذا التعتيم كجزء من ترتيبات تخدم مصالح أطراف ترغب في إبقاء المشهد ضبابياً، لضبط إيقاع السلطة حسب الحاجة.
إن هذا الاستخدام السياسي للعاطفة والتضليل يكشف عن أزمة عميقة في العلاقة بين القيادة والجمهور، ويطرح تساؤلات حول الشفافية، والمساءلة، وحق المواطنين في معرفة الحقيقة.