الشهيد محمد قسم.. بطل معركة الجسر الذي غيّر مجرى التاريخ
متابعات-مرآة السودان-الشهيد محمد قسم.. بطل معركة الجسر الذي غيّر مجرى التاريخ

الشهيد محمد قسم.. بطل معركة الجسر الذي غيّر مجرى التاريخ
مقالات-مرآة السودان
بقلم: د. يوسف قرشي محمد – سلاح المدرعات (الفرسان في قلب التاريخ)
في قلب أم درمان، حيث تتعانق الذاكرة بالبطولة، تسكن قصة لا تُروى إلا بدماء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. هناك، على ضفاف النيل، في معركة الجسر، برز اسم الشهيد محمد قسم كوميضٍ في ليلٍ طويل، ليكتب بدمه فصلاً جديدًا في تاريخ السودان المقاوم.
ميلاد وبطولة
وُلد الشهيد محمد قسم في الولاية الشمالية – محافظة مروي، وتربّى على قيم الكرامة والشجاعة وحب الوطن. كان يرى في كل حجر من أرضه وعدًا بالكرامة، وفي كل نغمة من أناشيدها نداءً للرجال أن يحموا الأرض والعِرض.
فجر المعركة
اندلعت معركة الجسر في العاشر من مايو عام 2008، حين حاولت القوات الغازية التقدّم نحو الخرطوم من جهة النيل، ظنًّا منهم أن الطريق إلى أم درمان سيكون ممهدًا. لكنّ أبناء السودان كانوا في الموعد، وكانت الأرض تغلي بالعزم والإيمان.
في تلك اللحظات الحاسمة، غادر الشهيد منزله متجهًا إلى ساحة القتال، وقال لمن حوله:
“لن يمرّوا ما دامت فينا أنفاس.”
وحين اشتدّ القتال عند الجسر، تعرّضت القوات المسلحة لضغط هائل، فامتطى الشهيد صهوة دبابته الأمريكية، وتقدّم نحو العدو وهو يهتف بالتكبير والتهليل وباسم السودان.
اخترق الصفوف تحت نيران كثيفة، وتمكّن من تدمير مركبات وعتاد العدو التي كانت ستُستخدم لعبور الجسر، فأوقف التقدّم تمامًا، وأتاح لرفاقه إعادة تنظيم الصفوف.
كانت تلك اللحظة فاصلة — لم تغيّر فقط مسار المعركة، بل زرعت في نفوس المقاتلين روحًا جديدة من الإصرار والعزّة.
الاستشهاد وبقاء الأثر
سقط محمد قسم في أرض المعركة متوشحًا بدمائه، لكنه لم يسقط من ذاكرة الوطن.
كان استشهاده الشرارة التي أيقظت الوعي الجمعي، فصارت معركة الجسر رمزًا لصمود أم درمان، ومثالًا يُروى للأجيال عن معنى التضحية.
كان الشهيد نظاميًا برتبة مساعد في سلاح الفرسان (المدرعات)، لم يكن يملك مالًا ولا ثروة، لكنه امتلك ما هو أسمى — الإيمان بالقضية والحب الخالص للوطن.
واليوم، حين تمرّ على الجسر الذي شهد بطولته، تشعر أن روحه ما زالت هناك، تحرس المدينة بصمتٍ شامخ.
ولا يعلم الكثيرون أن الشهيد كان يحمل درجة الماجستير، وفي طريقه لنيل الدكتوراه، وله من الأبناء البراء والقعقاع الذين يقاتلان اليوم في الصفوف الأمامية بمعركة الكرامة، بينما ابنته المهندسة حواء صمّمت كاشفة ألغام تُستخدم الآن في سلاح المهندسين.
هذا مكتوبي للأمانة والتاريخ.
تقبله الله في أعلى الجنان.
نصرٌ من الله وفتحٌ قريب.
د. يوسف قرشي محمد
الرمال المتحركة











