مقالات

الشهيد العميد هشيم مجذوب.. حين تتكلم الدبابة بلغة الإتقان

متابعات-مرآة السودان-الشهيد العميد هشيم مجذوب.. حين تتكلم الدبابة بلغة الإتقان

الشهيد العميد هشيم مجذوب.. حين تتكلم الدبابة بلغة الإتقان

متابعات-مرآة السودان

حين تتحدث الدبابة T-55 بلغة الإتقان والانضباط، فإنها لا تنطق إلا باسمٍ صنع مجدها في ميادين التدريب والقتال، الشهيد العميد هشيم مجذوب، معلم الدبابات البارع وأيقونة الإبداع في سلاح المدرعات، الذي رحل جسدًا وبقي أثره في كل ميدان وكل جيل تتلمذ على يديه.

في ساحات التدريب الصارمة، حيث يُختبر الحديد بالنار وتُصقل الإرادة بالانضباط، كان الشهيد هشيم مجذوب واحدًا من أولئك الرجال الذين لا يكتفون بأداء الواجب، بل يجعلون منه رسالة حياة. قَدِم من شرق السودان، يحمل في قلبه إخلاصًا لا يعرف التراجع، وفي عقله فهماً عميقاً لفن القتال المدرع، ليصبح بمرور السنين معلمًا يشار إليه بالبنان في سلاح المدرعات السوداني.

منذ بداياته الأولى، لفت الأنظار بدقته العالية وفهمه الميداني المتقدم. لم يرَ في الدبابة مجرد آلةٍ حربٍ، بل أداةً لتعليم الانضباط والقيادة والمسؤولية. كان يؤمن بأن التفوق العسكري لا يُقاس فقط بقوة النيران، بل بقدرة القائد على توجيهها بعقلٍ منضبط وروحٍ مؤمنة. ولذلك قال كلمته الخالدة:

“الدبابة لا تنتصر بقوتها النارية فقط، بل بانضباط من يقودها.”

عبارةٌ صارت ميثاقًا لكل من عرفه أو تدرب على يديه.

قاد الشهيد جهودًا متواصلة لتطوير أساليب التدريب في سلاح المدرعات، فدمج بين الخبرة الميدانية الأصيلة والتقنيات الحديثة في المحاكاة والتدريب النظري. أشرف على إعداد عشرات الدورات التي خرّجت نخبةً من القادة والرماة والسائقين، وأسهم في صياغة مناهج تدريبية أصبحت مرجعًا معتمدًا للدبابة T-55 في السودان.

لم يكن الميدان مكان عمله فقط، بل مسرح رسالته الكبرى. فإلى جانب تأهيل المقاتلين، كان حريصًا على غرس القيم الأخلاقية والوطنية في نفوس المتدربين، مؤمنًا بأن الجندي الذي لا يحمل في قلبه حبّ الوطن، لن ينتصر ولو حمل أقوى السلاح.

شارك الشهيد هشيم في العديد من التمارين الميدانية المشتركة، وكان له دور محوري في رفع كفاءة وحدات القتال المدرع. نال إشاداتٍ رسمية من قياداته العسكرية تقديرًا لعطائه المتواصل ومهنيته الرفيعة، كما ساهم في وضع خطط تدريبية استُعين بها في تطوير برامج القوات المسلحة.

عرفه زملاؤه قائداً متواضعاً لا تفارقه الابتسامة، ومربياً صارماً لا يساوم على الانضباط. كان يسبق طلابه إلى الميدان، يشاركهم الصعاب، ويغرس فيهم الإيمان بأن النصر لا يُمنح بل يُنتزع بالإتقان والتضحية.

لقد كان العميد هشيم مجذوب مدرسةً قائمة بذاتها، خرجت أجيالاً من رجال المدرعات الذين ورثوا عنه حب الوطن والالتزام العسكري الراسخ. وبرحيله، لم يفقد سلاح المدرعات ضابطًا بارعًا فحسب، بل فقد أبًا روحياً ومعلمًا كبيرًا، سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الدروع السودانية.

رحم الله الشهيد العميد هشيم مجذوب، وتقبله في عليين مع الصادقين والشهداء.

لقد رحل الجسد، لكن صوته ما زال يتردد في ميادين التدريب:

“أتقن عملك، فالوطن يستحق.”

✍️ د. يوسف قرشي محمد

الرمال المتحركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى