مقالات

“السودان في متاهة الميليشيات: أكثر من 100 فصيل مسلح يعيد رسم خريطة الحرب والولاءات

متابعات-مرآة السودان-السودان في متاهة الميليشيات: أكثر من 100 فصيل مسلح يعيد رسم خريطة الحرب والولاءات

“السودان في متاهة الميليشيات: أكثر من 100 فصيل مسلح يعيد رسم خريطة الحرب والولاءات

متابعات-مرآة السودان

في سياق تاريخٍ طويل من الصراعات التي أنهكت السودان منذ نيله الاستقلال عام 1956، تبلورت ظاهرة الميليشيات المسلحة واتسعت رقعتها بوتيرة متسارعة، حتى تجاوز عددها المائة، وفق تقديرات محلية. هذه الجماعات التي تتنوع في تسليحها وانتماءاتها، تحوّلت إلى قوى فاعلة في المشهد العسكري والسياسي، تتوزع ولاءاتها بين الجيش وقوات الدعم السريع، بينما اختارت أخرى العمل بشكل مستقل لتحقيق مصالح جهوية أو شخصية.

ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، أعادت الميليشيات تموضعها ضمن خارطة النزاع، مستغلةً الفوضى الأمنية لتوسيع مناطق نفوذها وتحقيق مكاسب ميدانية. وفي المقابل، انخرطت جماعات أخرى كانت تنشط في الجريمة المنظمة في أعمال نهب وسلب وانتهاكات خطيرة شملت القتل على الهوية والاعتداءات الجنسية، مما فاقم المأساة الإنسانية وزاد من تعقيد المشهد الأمني في البلاد.

مصادر القوة والتمويل

تستمد هذه الميليشيات قوتها من مصادر متعددة، تشمل الدعم الرسمي والخارجي، إضافة إلى سيطرتها على مناطق غنية بالذهب شكّلت لها مورداً مالياً ضخماً. كما تمتلك بعضها أسلحة متطورة، من بينها صواريخ وطائرات مسيّرة، ما منحها استقلالية عسكرية متزايدة وقدرة على فرض الأمر الواقع في مناطق نفوذها.

خريطة الولاءات

توزعت الميليشيات السودانية بين معسكرين رئيسيين: الجيش وقوات الدعم السريع، بينما التزمت فصائل أخرى الحياد رغم تاريخها في مواجهة الجيش. وتتشكل هذه الجماعات وفق انتماءات جغرافية وعرقية وآيديولوجية، ما يجعلها أكثر تعقيداً من مجرد فصائل مسلحة، بل كيانات شبه سياسية تسعى لفرض واقع جديد قد يمتد أثره إلى ما بعد الحرب الحالية.

دارفور… بؤرة الميليشيات

يرى الكاتب أمير بابكر في كتابه “سلام السودان… مستنقع الميليشيات والجيوش شبه النظامية” أن عدد الحركات المسلحة بلغ عند اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع نحو 92 حركة، منها 87 تنشط في دارفور وحدها. ويشير إلى أن هذا التعدد يهدد بإطالة أمد الحرب وتعقيد مساراتها.

في السياق ذاته، يقدّر الناشط السياسي مهند الزعيم عبر تدوينة على “فيسبوك” عدد الميليشيات بنحو 90، تتوزع بين الطرفين، بينما تسعى بعضها لتشكيل تحالفات جديدة تُمكّنها من لعب دور مهيمن مستقبلاً.

تصنيفات الميليشيات

يمكن تصنيف الميليشيات في السودان إلى ثلاث فئات رئيسية:

  1. المتحالفة مع الجيش.
  2. المتحالفة مع قوات الدعم السريع.
  3. المحايدة ظاهرياً رغم ماضيها القتالي ضد الجيش.

وتشمل هذه الجماعات مزيجاً من الحركات الأيديولوجية والقبلية والجهوية، إضافة إلى مجموعات الجريمة المنظمة التي وجدت في الحرب فرصة لتوسيع أنشطتها. كما تحالفت بعض الحركات التي كانت تقاتل الجيش سابقاً معه بعد اندلاع الحرب، في مشهد يعكس ديناميكية التحالفات السودانية المتقلبة.

دارفور وتعدد الفصائل

تُعتبر دارفور المركز الرئيس للميليشيات المسلحة، إذ انضوت أبرز الحركات تحت ما يُعرف بـ”القوة المشتركة” الداعمة للجيش، ومنها تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم.

تعود جذور هذه الحركات إلى حرب دارفور عام 2003 التي اندلعت بسبب التهميش الاقتصادي والاجتماعي، وشهدت لاحقاً انقسامات حادة، أبرزها انفصال مناوي عن عبد الواحد محمد النور، لتنشأ فصيلتان باسم واحد.

ومع اندلاع الحرب الأخيرة، دعمت حركتا مناوي وإبراهيم الجيش، فيما التزمت مجموعة عبد الواحد الحياد متمركزة في جبل مرة، رافضة التعامل مع الحكومة.

الانشقاقات والتشكيلات الجديدة

شهدت السنوات الأخيرة ولادة ميليشيات جديدة نتيجة الانشقاقات داخل الحركات الكبرى، مثل القوة الشعبية للدفاع عن النفس بقيادة بخيت عبد الكريم دبجو، والعدل والمساواة بقيادة منصور أرباب، إلى جانب مجموعات محلية مثل عرت عرت ودقو جوة ورؤية.

كما عاد مجلس الصحوة الثوري بقيادة موسى هلال إلى الساحة، داعماً الجيش دون مشاركة مباشرة في القتال.

لكن هذه المجموعات تواجه تحديات داخلية أبرزها التنافس القبلي، خاصةً هيمنة الزغاوة، وفقدانها لمساحات نفوذ كبيرة لصالح قوات الدعم السريع.

الميليشيات ذات الارتباط الأيديولوجي

تشير تقارير محلية إلى وجود أكثر من 25 ميليشيا ذات صلة بالنظام السابق والحركة الإسلامية، أبرزها:

الفيلق الشبابي، كتائب البرق الخاطف، أنصار الله، لواء الفرقان، وكتائب البراء بن مالك.

كما أعيد إحياء قوات الدفاع الشعبي وكتائب الظل وهيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن، بعد أن كانت قد حُلّت في أعقاب سقوط نظام البشير.

تستفيد هذه التشكيلات من دعم استخباري وتسليح متطور، لكنها تواجه رفضاً شعبياً واسعاً بسبب ارتباطها بالماضي.

الميليشيات الجهوية

في وسط وشمال السودان، برزت ميليشيات جديدة مثل درع البطانة بقيادة أبو عاقلة كيكل، التي انحازت أولاً للدعم السريع ثم تمرّدت عليه عام 2024 لتنضم إلى الجيش تحت مسمى درع السودان.

كما ظهرت جماعات أخرى مثل سيف النصر، عشم، عبد الله جماع، الزبير بن العوام، أسود الصعيد، والدرع النوبي.

شرق السودان المضطرب

شهد شرق السودان ظهور نحو عشر ميليشيات ذات طابع قبلي وجهوي بدعم من دول مجاورة، معظمها انحاز للجيش، باستثناء ميليشيا الرشايدة بقيادة مبروك مبارك سليم التي دعمت الدعم السريع.

من أبرز هذه التشكيلات: الحركة الوطنية للعدالة والتنمية، قوات الأورطة الشعبية، درع شرق السودان، ومؤتمر البجا. غير أن ضعف التنسيق والانقسامات القبلية قلّص من تأثيرها.

الدعم السريع وتحولاته

تأسست قوات الدعم السريع عام 2013 بأمر من الرئيس السابق عمر البشير، وقادها محمد حمدان دقلو (حميدتي) لتكون قوة موازية للجيش.

ورغم ارتباطها بجماعات “الجنجويد” المتهمة بانتهاكات في دارفور، تؤكد قيادة الدعم السريع أنها قوة نظامية أُنشئت بقانون رسمي.

وقد توسعت صفوفها بعد سقوط البشير، حتى بلغ عدد عناصرها نحو 100 ألف مقاتل مزودين بأسلحة ثقيلة باستثناء الدبابات والطائرات.

ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، انضمت إليها فصائل منشقة عن حركات دارفور، مثل تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، والعدل والمساواة بقيادة سليمان صندل.

وفي المقابل، وقفت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار إلى جانب الجيش، ليصبح عقار لاحقاً نائباً لرئيس مجلس السيادة.

وفي فبراير 2025، أعلنت قوات الدعم السريع تحالفاً سياسياً وعسكرياً جديداً باسم “تأسيس” ضم عدداً من القوى المسلحة والسياسية، من بينها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو.

ميليشيات الشمال والوسط

لأول مرة، شهد شمال السودان تشكيل ميليشيات مسلحة، أبرزها مبادرة كيان الشمال بقيادة محمد سيد أحمد الجكومي، الذي أعلن تدريب 50 ألف مقاتل للدفاع عن الإقليم. كما ظهرت ميليشيات مثل أولاد قمري وقوات حلف الكرامة – درع كردفان وقوات شعب الوسط في الجزيرة.

مشهد معقّد ومستقبل غامض

في ظل هذا التشابك بين العوامل القبلية والسياسية والعسكرية، يرى محللون أن تضخم الميليشيات يهدد بجرّ السودان إلى دوامة طويلة من الفوضى، ما لم يُطلق مشروع وطني شامل لإعادة هيكلة القطاعين العسكري والأمني، وتفكيك البنى المسلحة التي باتت أداة رئيسية في الصراع على النفوذ والسيطرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى