مقالاتاقتصادية

أزمة وقود الطائرات في السودان: تحديات وحلول لإصلاح قطاع الطيران المدني

متابعات-مرآة السودان-أزمة وقود الطائرات في السودان: تحديات وحلول لإصلاح قطاع الطيران المدني

أزمة وقود الطائرات في السودان: تحديات وحلول لإصلاح قطاع الطيران المدني

متابعات-مرآة السودان إبراهيم عدلان ..يكتب✍🏽

ضمن سلسه …تحديات ما بعد الحرب-إصلاح قطاع

يُعدّ وقود الطائرات ركيزة أساسية لكفاءة وسلامة واستدامة حركة الطيران المدني. تاريخيًا، كان مطار الخرطوم حتى ثمانينيات القرن الماضي محطة هبوط فني مهمة للطائرات العابرة بين أوروبا وإفريقيا، بفضل خدمات التزويد بالوقود عالية الجودة التي كانت تديرها شركات عالمية رائدة مثل شل و موبيل و توتال. اعتمد المطار آنذاك على مزرعة وقود متكاملة وشبكة أنابيب مطابقة للمعايير الدولية، مما ضمن استقرار وأمان الإمداد.

📉 مرحلة التدهور والاحتـكار المحلي

شهد مطلع تسعينيات القرن الماضي انسحابًا تدريجيًا للشركات العالمية، ليحل محلها شركات محلية ذات خبرة وإمكانات محدودة. أدى هذا التحول إلى سيطرة احتكارية على سوق وقود الطائرات في السودان. نتيجة لغياب المنافسة، ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير، لتصبح من الأعلى في المنطقة العربية والإفريقية.

تفاقمت الأزمة بتدخل المؤسسة العامة للنفط في عملية التسعير، مضيفةً رسومًا جديدة تحت مسمى “رسوم الأنبوب” غير المبررة. في الوقت نفسه، توقفت معظم اختبارات الجودة والمطابقة الفنية الصارمة التي كانت تُجرى على الوقود في مراحل الاستلام والتخزين والتوزيع. كما أن استيلاء الشركات المحلية على مستودعات التخزين الرئيسية في بورتسودان و مطار الخرطوم أفقد سلطة الطيران المدني السيطرة الفنية على هذا المكون الحيوي لعمليات المطار.

🚧 مبادرة إصلاح مُجهضة (2021)

في محاولة لخفض التكاليف وتحسين الكفاءة، توصلت سلطة الطيران المدني عام 2021 إلى اتفاق مع المؤسسة العامة للنفط شمل ما يلي:

• تزويد مصفاة الجيلي مطار الخرطوم بالوقود المكرر محليًا (264 ألف لتر يوميًا).

• الاستغناء عن استيراد الوقود الجاهز من بورتسودان.

• تخفيض رسوم الأنبوب، مع التزام سلطة الطيران بالدفع بالعملة الحرة.

كان الهدف من هذه الخطوة هو تقليل الأعباء التشغيلية وإعادة تنظيم التسعير لدعم شركات الطيران المحلية. إلا أن هذا المشروع توقف سريعًا قبل تنفيذه، ما أبقى الأزمة الهيكلية قائمة.

🔬 تحليل الخلل الفني والاقتصادي

تعود الأزمة إلى عدة عوامل هيكلية:

1. الاحتكار وغياب المنافسة: أدّى غياب نظام المنافسة العادلة إلى احتكار فعلي لسوق الوقود الجوي من قبل عدد محدود من الشركات.

2. التسعير غير الشفاف: أدت آلية التسعير غير الواضحة إلى تآكل هوامش التشغيل لشركات الطيران المحلية.

3. تداخل الملكية والإدارة: صعوبة تحديد ملكية وإدارة مستودعات الوقود في الخرطوم وبورتسودان منعت فرض مسؤولية قانونية واضحة عند وقوع أي خلل لوجستي.

4. هشاشة المنظومة الرقابية: غياب قاعدة بيانات فنية مركزية لمراقبة نوعية ومصادر الوقود زاد من ضعف المنظومة ككل.

🛠️ مقترحات ضرورية للإصلاح الشامل

إذا أُريد لقطاع الطيران المدني أن يستعيد عافيته بعد الحرب، يجب أن يكون إصلاح منظومة الوقود أولوية ضمن إعادة البناء المؤسسي. تتضمن المقترحات الآتية:

1. إعادة التأهيل: تأهيل مزرعة الوقود بمطار الخرطوم بما يتوافق مع المعايير الدولية (JIG – Joint Inspection Group).

2. الفصل الإداري: فصل إدارة التخزين والتوزيع عن التسعير ووضعها تحت الإشراف الفني المباشر لسلطة الطيران المدني.

3. تنظيم التراخيص: ربط تراخيص الشركات العاملة بالاعتماد الفني من منظمة الإيكاو وهيئة المواصفات والمقاييس السودانية.

4. التسعير الشفاف: إلغاء رسوم الأنبوب غير المبررة، وتطبيق تسعيرة موحدة وشفافة ترتبط بسعر البرميل العالمي وتكاليف النقل الفعلية.

5. بناء الثقة: إعادة بناء العلاقات مع الشركات العالمية الرائدة لضمان الدعم الفني وتأمين المواصفات المخبرية.

6. وحدة مستقلة: إنشاء وحدة مستقلة لإدارة وقود الطائرات تتبع مباشرة لسلطة الطيران المدني، بمهام وميزانية خاصة، وتنسيق مباشر مع وزارة الطاقة.

7. مراجعة العقود: إخضاع عقود تخزين بورتسودان والخرطوم للمراجعة القانونية والمالية لحماية الأصول العامة.

تمثل أزمة وقود الطائرات في السودان مثالًا صارخًا على انهيار الأنظمة الفنية والاقتصادية نتيجة غياب الحوكمة والشفافية. إن إصلاح هذه المنظومة هو خطوة لا غنى عنها لاستعادة سلامة وكفاءة الطيران الوطني والدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى